توبني فأتوب
لنغتسل بالدموع حتى يسمعنا الله عندما ننوح
كما سمع لإفرايم عند بكائه، كما هو مكتوب:
"سمعًا سمعت إفرايم ينتحب"
(إر 31: 18)
وقد تعمد تكرار ما نطق به إفرايم في نحيبه:
"أدبتني فأتأدب كعجل غير مُروض"
فالعجل لا يقدر أن يروض نفسه، إنما يهرب من مربضه
هكذا ترك إفرايم المربض تابعًا يربعام وعبد عجل
هكذا يتوب إفرايم قائلاً:
"توبني فأتوب لأنك أنت الرب إلهي لأني في نهاية سبي ندمت، وبعد تعلمي
حزنت على أيام الخزي، وأخضعت نفسي لك. لأني قد تسلمت توبيخات
وصرت معروفًا لي"
(إر 31: 19)
إذًا فلنخضع أنفسنا لله لا للخطية. وإذ نمعن في تذكر معاصينا نخجل منها،
كأمرٍ رذيلٍ ولا نفخر بها… ليصر حديثنا هكذا، إننا نحن الذين لم نكن نعرف الله
قد صرنا نشهد له أمام الآخرين
حتى يتحرك الرب بواسطة هذه الأحاديث من جانبنا ويجيبنا قائلاً:
"إفرايم ابن عزيز لدي، أو ولد مُسر، لأني كلما تكلمت به أذكره بعد ذكرًا، من
أجل ذلك حنت أحشائي إليه. رحمة أرحمه يقول الرب"
(أر 31: 20)
وأي رحمة وعدنا بها الله؟ إنه يقول:
"لأني أرويت النفس المعيبة، وملأت كل نفس ذائبة على ذلك، استيقظت
ونظرت ولذّ لي نومي"
(إر 31: 25، 26)
ها نحن نلاحظ وعود الله للخطاة بمقدساته، إذًا فلنرجع إليه
أذكر خطاياي بلا يأس
لنا رب صالح يريد خلاص الكل، دعاكم على فم النبي قائلاً: أنا الشاهد؟
حتى أنا الذي أزلت خطاياكم، ولا أعود أذكرها فهل أنتم تذكرونها؟
أنا لا أعود أذكرها بسبب نعمتي، أما أنتم فهل تذكرونها حتى ترجعون عنها؟
تذكروها، فتغفر لكم أما إن أنتفختم كأبرار بلا خطية
تزيدوها… اعترفوا بها
تتبرروا لأن الاعتراف بخطاياكم في خجل يفك رباطاتها
للنوح وقت وللفرح وقت
هل رأيتم ماذا يطلب الله منكم. أن تتذكروا نعمته عليكم، ولا تنتفخوا كأبرار بذواتكم
أنكم ترون كيف جذبكم إلى الاعتراف بالخطية بوعده لكم بالغفران الكامل
فاحذروا لئلا تقاوموا وصاياه، فتسقطوا فيما سقط فيه اليهود العصاة، الذين
قال لهم:
"زمرنا لكم فلم ترقصوا، نحنا لكم فلم تبكوا "
(لو 7: 32)
يحمل هذا القول كلمات عادية، لكنه يحوى سرًا غريبًا. لهذا فلنحذر لئلا نأخذ
بالتفسير العامي. فقد يظن البعض أنه يقصد بالرقص تلك الرقصات التي
للعابثين أو الخاصة بجنون المسارح، لأن مثل هذه مملوءة بشرور الصبا. لكن
الرقص هنا إنما كرقصات داود أمام تابوت العهد. فكل شيء إنما وجد لأجل
[b]العبادة
فهنا لا يتحدث الرب عن الرقص المصاحب للملذات والترف، بل الرقص
الروحي. الذي فيه يسمو الإنسان بالجسد الشهواني، ولا يسمح لأعضائه أن
تتنعم بالأرضيات
بولس رقص روحيًا، إذ لأجلنا امتد إلى قدام ناسيًا ما هو وراء، ساعيًا نحو ما
هو أمامه، جعالة السيد المسيح
(في 2: 13، 14)
هذا هو السر إذًا، أننا "زمرنا لكم" بأغنية العهد الجديد، فلم ترقصوا. أي لم
تسمعوا بعد بأرواحكم بواسطة النعمة الإلهية
"نحنا لكم فلم تبكوا" أي لم تندموا… عندما جاءكم يوحنا مناديًا بالتوبة بنعمة
السيد المسيح. فالرب معطي النعمة، وإن كان يوحنا قد أعلنها كخادمٍ له. أما
الكنيسة فتحتفظ بالاثنين، حتى تدرك النعمة دون أن تطرد عنها التوبة.
فالنعمة هي عطية الرب الذي وحده يهبها، والتوبة (أيضًا عطيته) هي علاج
الخاطي
الندامة علاج الخطاة
لقد أدرك إرميا أن الندامة علاج عظيم، فاستخدمها لأجل أورشليم في مراثيه،
وتقدم بأورشليم كتائبة عندما قال:
"تبكي في الليل بكاءً، ودموعها على خديها. ليس لها معزٍ من كل محبيها…
طرق صهيون نائحة"
(مراثي 1: 2، 4)
بل وأكثر من هذا قال:
"على هذه أنا باكية، ليت عيني تسكب مياهًا لأنه قد
ابتعد عني المُعزي، راد نفسي"
(مراثي 1: 16)
إرميا فكر أن يضيف هذه العبارة المُرة، لأنه وجد أن من يريح الحزانى قد أبعد
عنه. فكيف تستطيع أن تنال راحة برفضك للتوبة رجاء الغفران؟
لكن ليت هؤلاء الذين يتوبون، يعرفون كيف يقدمون التوبة، بأية غيرة، وبأية
مشاعر، وكيف تبتلع كل تفكيرهم، وتهز أحشاءهم الداخلية، وتخترق أعماق
قلوبهم، إذ يقول إرميا النبي:
"أنظر يا رب فإني في ضيق. أحشائي غلت، ارتد قلبي في باطني"
(مراثي 1: 2)
ويقول: "شيوخ بنت صهيون يجلسون على الأرض ساكتين، يرفعون التراب
على رؤوسهم، يتمنطقون بالمسوح. تحني عذارى أورشليم رؤوسهن إلى
الأرض. كلت من الدموع عيناي، غلت أحشائي، انسكب على الأرض كبدي"
(مراثي 2: 10، 11)
هكذا أيضًا أهل نينوى حزنوا فهربوا من هلاك مدينتهم
(يونان 3: 5)
يا لقوة مفعول هذا الدواء الذي للتوبة، حتى ليبدو وكأنه يغير نية الله
فالهروب إذن بين يديك، والرب يريد أن يلاطفك. إنه يود أن يترجاه البشر، ويريد
أن يطلبوا منه العون
إن كنت وأنت إنسان تريد أن يطلب منك الآخرون العفو، فهل تظن أن الله يغفر
لك دون أن تسأله المغفرة؟
والرب نفسه بكى على أورشليم، إذ لم ترد أن تبكي على نفسها… إنه يريدنا
أن نبكي لنهرب، كما جاء في الإنجيل:
"يا بنات أورشليم لا تبكين عليّ، بل أبكين على أنفسكن، وعلى أولادكن"
(لو 23: 28)
وداود بكى فنال من الرحمة الإلهية أن ينزع الموت عن الشعب الذي كاد أن
يهلك. وعندما عرض عليه أن يختار أحد أمور ثلاثة (كتأديب له) اختار الأمر
الذي فيه ينال خبرة عظمى بين يدي المراحم الإلهية
فلماذا تكف عن البكاء على خطاياك، إن كان الله قد أمر حتى الأنبياء أن يبكوا
من أجل الشعب؟
وأخيرًا حزقيال أمر بالبكاء على أورشليم، وقد أخذ الكتاب الذي جاء في بدايته
"مراث ونحيب وويل"
(حز 2: 10)
إن من يبكي كثيرًا في العالم ينقذ في المستقبل، لأن
"قلب الحكماء في بيت النوح، وقلب الجهال في بيت الفرح"
(جا 7: 4)
وقال الرب نفسه:
"طوباكم أيها الباكون الآن، لأنكم ستضحكون"
(لو 21:6)
فلنبكِ إذًا إلى زمانٍ، فنفرح إلى الأبد. لنخف الرب وننتظره، معترفين بخطايانا،
راجعين عن شرنا، حتى لا يقال لنا:
"ويل لي… قد باد التقي من الأرض، وليس مستقيم بين الناس"
(ميخا 7: 1، 2)