فراغ الوقت وعواطف الشباب
نيافة الأنبا موسى
ما من أحد ينكر أن فترة الشباب هى زمن المشاعر العاطفية الرقيقة، والرغبة فى الارتباط بشـريك الحياة حتى لو لم تكن ظروف الارتباط قد تكاملت بعد، وهى زمن الطموح الواقعى الخيالى، زمن أحلام يمكن تحقيقها وأحلام أخرى يستحيل تحقيقها ولا فى المستقبل البعيد.
ولا شك فى أن هذه المشاعر والرغبات والطموحات والأحلام، تزداد شدة وحدة وإلحاحاً كلما وجد الشاب (أو الفتاة) نفسه فى حالة من فراغ العقل والعاطفة.
كيف - إذن - يوجه الشباب عواطفهم توجيهاً بناءاً؟
الإنسان.. والإعجاب :
الإنسان فى حالة تعامل مستمر مع الآخرين، ومع الأشياء أيضاً، وهو يستحسن ويعجب يومياً بأشخاص وأشياء، وهو يتذوق الجمال، من خلال تعامله مع الطبيعة والإبداعات البشرية، ومع الناس أنفسهم سواء انتموا إلى نفس الجنس أو إلى الجنس الأخر.. فالإنسان - إذن - لا يستطيع أن يتوقف عن الإعجاب.
أنماط الإعجاب :
مثل كل اتجاهات الإنسان، يمكن أن يتخذ الإعجاب صوراً متعددة، بعضها إيجابى وبعضها سلبى، فقد أعجب بشىء احتاجه ولكنـى لا أستطيع منع نفسى من اقتنائه.
وقد أعجب بشخص لأن به صفات تنقصنى، مما يدفعنى للتعامل معه، وشيئاً فشيئاً أكتسب بعضاً من
هذه الصفات، وقد يكتسب هو منى صفات أخرى... أو قد أعجب بشخص لأن به صفات تشبه صفاتى، مما يدفعنى للتعامل معه، وكأنى أجد ذاتى فيه بصورة من الصور، فالطيور على أشكالها تقع..
وأيا كان سبب الإعجاب، فإنه شئ هام لتحقيق التقارب والتجـاذب والارتياح الداخلى بين البشر، فيسهل التعامل وينمى الحب فيما بينهم.
إنما هناك تحدى متكرر كثير الحدوث، يواجه كل معجب، ويهدد سلامة إعجابه، ما يسئ إلى كرامة من نعجب بهم.. ذلك هو تحدى تحويـل الشخص فى نظرنا إلى شئ نريد اقتنائه، مما يفقدنا الإحساس بأن الآخر شخص حر، له قيمته المتمايزة، وهو مهم بحد ذاته، وهـو أعلى من أن يقتنى أو يشترى، أو يستعمل أو يلهى به. فمتى تعاملنا مع من نعجب بهم مثلما نعامل الأشياء، تحركت فينا شهوة الامتلاك الأنانى.. ولما كان الشخص لا يمكن امتلاكه بنفس طريقة امتلاك الأشياء، فإننا قد نحاول امتلاكه بصورة أخرى، كأن نتطفل عليه، أو نحجر على فكره، أو نحيطه بعواطف تبدو دافئة، أو نلاحقه باهتمام مبالغ فيه يقيد حريته ذلك من طرف واحد دائماً، فقد يكون الإعجاب متبادلاً، والامتلاك متبادلاً، مما يفسد العلاقة، ويكشف عن زيف معدنها.
إيجابية الإعجاب :
هكذا يتضح أن الإعجاب أمر طبيعى فى تكويننا كبشر، وكل إنسان فيه ما يستحق الإعجاب، ولكن المهم أن أكون إيجابياً فى إعجابى..
إن إعجابى بصفات شخص لا يبرر لى محاولة امتلاكه، فهذا ما ليس من حقى، ولا من حق أى كائن آخر، فالشخص كيان حر أعلى من أن يمتلك إنما من خلال التفاعل مع صفاتهم، وفى ذات الوقت يمكننى أن أسهم فى تجلى وازدهار - صفات الآخرين الذين أعجب بهم، من خلال التعامل معهم.
الإعجاب والعاطفة :
العاطفة إمكانية فى النفس البشرية، مسئولة عن المشاعر المختلفة التى تتحرك فى أعماق الإنسان، مثل مشاعر الحب والكراهية، الفرح والحزن، الحماس والكسل... الخ.
ترتبط العاطفة بالإعجاب من خلال مشاعر الحب.. فتتولد منها مشاعر الحب نحو الشخص الذى نعجب به.. وليس فى الإعجاب خطأ بحد ذاته، ولكن الإعجاب مهدد بالانحراف من "الأخر" إلى "الذات"، وهو ما يسمى "الأنانية"، فبدلاً من أن أقدم المحبة للأخر دون انتظار لفائدة شخصية، أحاول أن أتقرب من الأخر كأنه "شئ" أريد امتلاكه والاستمتاع به..
ومن هنا تنشأ العـلاقات العاطفية الخالية من الحب الحقيقى، إذ أن كثيراً من هذه العلاقات لها دافع حسى مخفى.
وينطلق هنا سؤال: هل ينطبق هذا الكلام المؤدى إلى اختيار شريك عمرك؟
بالطبع لا.. فالزواج ينبغى أن يسبقه إعجاب متبـادل، وقبول واضح، وارتياح داخلى، ومحبة متبادلة تنمو قبل الزواج، وتستمر فى نموها خلال الزواج، وبدون إعجاب ومحبة لا نضمن نجاح الزواج، لكن المقصود هنا الإعجاب غير المهدف، أى الإعجاب لمجرد الاستمتاع بالتواجد مع شخص من الجنس الآخر، الذى كثيراً
ما يتولد عنه اتجاهات حسية، خاصة فى السن المبكرة، حينما لا يكون الشاب والفتـاة قد نالا قسطاً كافياً من النضج، واستعداد الزواج، حيث تكون أمامها سنوات طويلة قبل الارتباط الجاد.
الإعجاب بين العاطفة والعقل :
ليس هناك خطأ فى أن أعجب بالآخرين، ولكن فى أن يترجم إعجابى إلى عاطفة مندفعة غير متروية، تبحث عن علاقة سابقة لأوانها، لا تهدف إلى توطين علاقات متبادلة، أضاعوا فيها سنوات كان يمكنهم الاستفادة بها فى أداء أعمال مفيدة، ولم ينفع الندم حينما اكتشف كلاهما أن الآخر لم يكن يصلح له كشريك.
إن الخبرة علمتنا أن التعلق العاطفى الأهوج، أمر يدمر الحب ويشتت العقل، ويفسد على الشباب حياتهم... فلتكن إذن علاقات الشباب متـزنة عاقلة، ولا ينبغى التفكير فى الارتباط إلا فى الوقت المناسب، ولا ينبغى أن يستسلم الشباب إلى الفكر القائل (الشاب) "إن أنا انتظرت حتى انتهى من دراستى!" فالله لا يتخلى عن أولاده، بل يبارك اختياراتهم فى الوقت المناسب، ويقود خطواتهم.
لذلك علينا بالاتكال على الرب، عالمين أن المسيح يهمه جداً أن يكون ارتباطنا الزيجى مقدساً، حتى يصير زواجنا طريقاً نحو الملكوت، وإلا صار الزواج مجرد شكل من أشكال الحياة الأرضية يموت بموتنا.
أخى الشاب.. أختى الشابه..
ليتكما تستفيدان بتلك المرحلة الجوهرية من حياتكما فى النمو العقلى، بالثقافة البناءة، والنمو العاطفى بالتفاعل مع الآخرين بلا تخصيص، والنمو الاجتماعى والروحى من خلال حياة الشركة الكنسية، والجهاد الروحى لتجديد القلب وتنقيته من الأنانية، من خلال الخضوع لإرشاد الروح القدس.
أما التعلقات العاطفية السابقة لأوانها فهى تعطل النضج الإنسانى.. والرب معكما
نيافة الأنبا موسى
ما من أحد ينكر أن فترة الشباب هى زمن المشاعر العاطفية الرقيقة، والرغبة فى الارتباط بشـريك الحياة حتى لو لم تكن ظروف الارتباط قد تكاملت بعد، وهى زمن الطموح الواقعى الخيالى، زمن أحلام يمكن تحقيقها وأحلام أخرى يستحيل تحقيقها ولا فى المستقبل البعيد.
ولا شك فى أن هذه المشاعر والرغبات والطموحات والأحلام، تزداد شدة وحدة وإلحاحاً كلما وجد الشاب (أو الفتاة) نفسه فى حالة من فراغ العقل والعاطفة.
كيف - إذن - يوجه الشباب عواطفهم توجيهاً بناءاً؟
الإنسان.. والإعجاب :
الإنسان فى حالة تعامل مستمر مع الآخرين، ومع الأشياء أيضاً، وهو يستحسن ويعجب يومياً بأشخاص وأشياء، وهو يتذوق الجمال، من خلال تعامله مع الطبيعة والإبداعات البشرية، ومع الناس أنفسهم سواء انتموا إلى نفس الجنس أو إلى الجنس الأخر.. فالإنسان - إذن - لا يستطيع أن يتوقف عن الإعجاب.
أنماط الإعجاب :
مثل كل اتجاهات الإنسان، يمكن أن يتخذ الإعجاب صوراً متعددة، بعضها إيجابى وبعضها سلبى، فقد أعجب بشىء احتاجه ولكنـى لا أستطيع منع نفسى من اقتنائه.
وقد أعجب بشخص لأن به صفات تنقصنى، مما يدفعنى للتعامل معه، وشيئاً فشيئاً أكتسب بعضاً من
هذه الصفات، وقد يكتسب هو منى صفات أخرى... أو قد أعجب بشخص لأن به صفات تشبه صفاتى، مما يدفعنى للتعامل معه، وكأنى أجد ذاتى فيه بصورة من الصور، فالطيور على أشكالها تقع..
وأيا كان سبب الإعجاب، فإنه شئ هام لتحقيق التقارب والتجـاذب والارتياح الداخلى بين البشر، فيسهل التعامل وينمى الحب فيما بينهم.
إنما هناك تحدى متكرر كثير الحدوث، يواجه كل معجب، ويهدد سلامة إعجابه، ما يسئ إلى كرامة من نعجب بهم.. ذلك هو تحدى تحويـل الشخص فى نظرنا إلى شئ نريد اقتنائه، مما يفقدنا الإحساس بأن الآخر شخص حر، له قيمته المتمايزة، وهو مهم بحد ذاته، وهـو أعلى من أن يقتنى أو يشترى، أو يستعمل أو يلهى به. فمتى تعاملنا مع من نعجب بهم مثلما نعامل الأشياء، تحركت فينا شهوة الامتلاك الأنانى.. ولما كان الشخص لا يمكن امتلاكه بنفس طريقة امتلاك الأشياء، فإننا قد نحاول امتلاكه بصورة أخرى، كأن نتطفل عليه، أو نحجر على فكره، أو نحيطه بعواطف تبدو دافئة، أو نلاحقه باهتمام مبالغ فيه يقيد حريته ذلك من طرف واحد دائماً، فقد يكون الإعجاب متبادلاً، والامتلاك متبادلاً، مما يفسد العلاقة، ويكشف عن زيف معدنها.
إيجابية الإعجاب :
هكذا يتضح أن الإعجاب أمر طبيعى فى تكويننا كبشر، وكل إنسان فيه ما يستحق الإعجاب، ولكن المهم أن أكون إيجابياً فى إعجابى..
إن إعجابى بصفات شخص لا يبرر لى محاولة امتلاكه، فهذا ما ليس من حقى، ولا من حق أى كائن آخر، فالشخص كيان حر أعلى من أن يمتلك إنما من خلال التفاعل مع صفاتهم، وفى ذات الوقت يمكننى أن أسهم فى تجلى وازدهار - صفات الآخرين الذين أعجب بهم، من خلال التعامل معهم.
الإعجاب والعاطفة :
العاطفة إمكانية فى النفس البشرية، مسئولة عن المشاعر المختلفة التى تتحرك فى أعماق الإنسان، مثل مشاعر الحب والكراهية، الفرح والحزن، الحماس والكسل... الخ.
ترتبط العاطفة بالإعجاب من خلال مشاعر الحب.. فتتولد منها مشاعر الحب نحو الشخص الذى نعجب به.. وليس فى الإعجاب خطأ بحد ذاته، ولكن الإعجاب مهدد بالانحراف من "الأخر" إلى "الذات"، وهو ما يسمى "الأنانية"، فبدلاً من أن أقدم المحبة للأخر دون انتظار لفائدة شخصية، أحاول أن أتقرب من الأخر كأنه "شئ" أريد امتلاكه والاستمتاع به..
ومن هنا تنشأ العـلاقات العاطفية الخالية من الحب الحقيقى، إذ أن كثيراً من هذه العلاقات لها دافع حسى مخفى.
وينطلق هنا سؤال: هل ينطبق هذا الكلام المؤدى إلى اختيار شريك عمرك؟
بالطبع لا.. فالزواج ينبغى أن يسبقه إعجاب متبـادل، وقبول واضح، وارتياح داخلى، ومحبة متبادلة تنمو قبل الزواج، وتستمر فى نموها خلال الزواج، وبدون إعجاب ومحبة لا نضمن نجاح الزواج، لكن المقصود هنا الإعجاب غير المهدف، أى الإعجاب لمجرد الاستمتاع بالتواجد مع شخص من الجنس الآخر، الذى كثيراً
ما يتولد عنه اتجاهات حسية، خاصة فى السن المبكرة، حينما لا يكون الشاب والفتـاة قد نالا قسطاً كافياً من النضج، واستعداد الزواج، حيث تكون أمامها سنوات طويلة قبل الارتباط الجاد.
الإعجاب بين العاطفة والعقل :
ليس هناك خطأ فى أن أعجب بالآخرين، ولكن فى أن يترجم إعجابى إلى عاطفة مندفعة غير متروية، تبحث عن علاقة سابقة لأوانها، لا تهدف إلى توطين علاقات متبادلة، أضاعوا فيها سنوات كان يمكنهم الاستفادة بها فى أداء أعمال مفيدة، ولم ينفع الندم حينما اكتشف كلاهما أن الآخر لم يكن يصلح له كشريك.
إن الخبرة علمتنا أن التعلق العاطفى الأهوج، أمر يدمر الحب ويشتت العقل، ويفسد على الشباب حياتهم... فلتكن إذن علاقات الشباب متـزنة عاقلة، ولا ينبغى التفكير فى الارتباط إلا فى الوقت المناسب، ولا ينبغى أن يستسلم الشباب إلى الفكر القائل (الشاب) "إن أنا انتظرت حتى انتهى من دراستى!" فالله لا يتخلى عن أولاده، بل يبارك اختياراتهم فى الوقت المناسب، ويقود خطواتهم.
لذلك علينا بالاتكال على الرب، عالمين أن المسيح يهمه جداً أن يكون ارتباطنا الزيجى مقدساً، حتى يصير زواجنا طريقاً نحو الملكوت، وإلا صار الزواج مجرد شكل من أشكال الحياة الأرضية يموت بموتنا.
أخى الشاب.. أختى الشابه..
ليتكما تستفيدان بتلك المرحلة الجوهرية من حياتكما فى النمو العقلى، بالثقافة البناءة، والنمو العاطفى بالتفاعل مع الآخرين بلا تخصيص، والنمو الاجتماعى والروحى من خلال حياة الشركة الكنسية، والجهاد الروحى لتجديد القلب وتنقيته من الأنانية، من خلال الخضوع لإرشاد الروح القدس.
أما التعلقات العاطفية السابقة لأوانها فهى تعطل النضج الإنسانى.. والرب معكما